فصل: ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائة

فمن الحوادث فيهاخروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالمدينةوخروج أخيه إبراهيم بن عبد الله بعده بالبصرة ومقتلهما رضي الله عنهما فأما خبر محمد‏:‏ فإن أب جعفر لما انحدر ببني حسن رد رياحًا إلى المدينة فألح في الطلب وأحرج محمدًا حتى عزم على الظهور فخرج قبل وقته الذي فارق عليه أخاه إبراهيم‏.‏ وقيل‏:‏ إن إبراهيم هو الذي تأخر عن وقته لجدري أصابه‏.‏ وخرج محمد في مائتين وخمسين فارسًا وتناوش الناس‏.‏ وذلك في أول يوم من رجب هذه السنة‏.‏ وقيل‏:‏ لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة‏.‏فأمر برياح وابن مسلم فحبسا وجعل يقول لأصحابه‏:‏ لا تقتلوا‏.‏ وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد أيها الناس فإن كان من أمر هذه الطاغية عدو الله أبي جعفر ما لم يخف عليكم من بناية القبة الخضراء التي بناها معاندة لله في ملكه وتصغيرًا لكعبة الله الحرام وإنما أخذ الله فرعون حين قال‏:‏ ‏"‏ أنا ربكم الأعلى ‏"‏ فإن أحق الناس بالقيام في هذا الدين أبناء المهاجرين الأولين والأنصار اللهم إنهم قد أحلو حرامك وحرموا حلالك وأمنو من خوفت وأخافوا من أمنت اللهم فاحصهم عددًا واقتلهم بددًا ولا تغادر منهم أحدًا ياأيها الناس إني والله ما خرجت بين أظهركم وأنتم عندي أهل قوة ولاشدة ولكني اخترتكم لنفسي والله وفي الأرض مصر يعبد الله فيه إلا وقد أخذ لي‏.‏ وكان المنصور يكتب على ألسن قواده يدعونه إلى الظهور ويخبرونه أنهم معه فكان محمد يقول‏:‏ لو التقينا مال إلي القواد كلهم‏.‏ ولما أخذ محمد المدينة استعمل عليها عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير وعلى قضائها عبد العزيز بن عبد المطلب بن عبد الله المخزومي وعلى الشرط أبا القاسم عثمان بن عبيد الله وعلى ديوان العطاء عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن واستعمل القاسم بن إسحاق على اليمن وموسى بن عبد الله على الشام يدعوان إليه فقتلا قبل أن يصلا‏.‏ واستفتي مالك بن أنس في الخروج مع محمد وقيل له‏:‏ إن في أعناقنا لأبي حعفر بيعة‏.‏ فقال‏:‏ إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين فأسرع الناس إلى محمدٍ ولزم مالك بيته وأرسل محمد إلى إسماعيل بن عبد الله بن حعفر فدعاه فقال‏:‏ يا ابن أخي أنت والله مقتول فكيف أبايعك فارتدع الناس عنه قليلًا وخرج محمد وأبو جعفر قد خط مدينة بغداد بالقصب‏.‏ فلما خرج مضى زجل من بني عامر فسار من المدينة تسع ليال فقدم على أبي جعفر فقال الربيع‏:‏ ما حاجتك فقال‏:‏ لا بد لي من أمير المؤمنين فأعلمه‏.‏ فقال‏:‏ سله عن حاجته وأعلمني‏.‏ قال‏:‏ قد أبى إلا مشافهتك‏.‏ فأذن له فدخل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين خرج محمد بن عبد الله بالمدينة‏.‏ فقال‏:‏ قتلته والله أخبرني من معه فسمى له‏.‏ فقال‏:‏ أنت رأيته‏.‏ قال‏:‏ أنا رأيته وكلمته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فأدخله أبو جعفر بيتًا فلما أصبح جاءه الخبر فأمر للرجل بتسعة آلاف لكل ليلة سارها ألفًا‏.‏وكتب أبو جعفر إلى محمد بن عبد الله‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى

محمد بن عبد الله‏:‏ ‏{‏إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏غفور رحيم‏}‏ ولك عهد الله وميثاقه وذمة رسوله إن تبت ورجعت منقبل أن أقدر عليك أن أؤمنك وجميع إخوتك وأهل بيتك ومن اتبعكم على دمائكم وأموالكم

وأسوغك ما أصبت من دمٍ أو مالٍ وأعطيك ألف ألف درهم وما سألت من الكراع وأنزلكمن البلاد حيث شئت وأن أطلق من في حبسي من أهل بيتك وأن أؤمن كل من جاءك أوبايعك أو دخل في شيء من أمرك فإن أردت أن تتوثق لنفسك فوجه إلي من أحببت يأخذ لك

مني من الأمان والميثاق ما تتثق به‏.‏ فكتب إليه محمد بن عبد الله‏:‏ من عبد الله المهدي محمد بن

عبد الله إلى محمد بن عبد الله‏:‏ ‏{‏طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما كانوا يحذرون‏}‏ وأنا أعرض عليك من الأمان مثل ما عرضت علي فإن الحق حقنا وأغما ادعيتم هذا الأمر بنا وخرجتم له بشعبتنا وإن أبانا عليًا كان

الإمام فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء فوالدنا من النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ومن

السلف أولهم إسلامًا‏:‏ علي بن أبي طالب ومن الأزواج أفضلهم خديجة وأول من صلى للقبلة

ومن البنات خيرهن فاطمة ومن المولودين حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة وإن هاشمًا

ولد عليًا مرتين وإن عبد المطلب ولد حسنًا مرتين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلمولدني مرتين من قبل حسن وحسين وإني أوسط بني هاشم نسبًا وأصرحهم أبًا إنما لم نعرف

في العجم ولم ننازع في أمهات الأولاد ولك عهد الله إن دخلت في طاعتي أن أؤمنك على

نفسك ومالك وعلى كل أمر أحدثته إلا حدًا من حدود الله أو حقًا لمسلم أو معاهد وأنا

أولى بالأمر منك وأوفى بالعهد لأنك أعطيتني من العهد والأمان ما أعطيته رجالًا قبلي فأي

الأمانات تعطيني‏!‏ أمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الله بن علي أم أمان أبي مسلم‏.‏ فكتبإليه أبو جعفر‏:‏ أما بعد فإني قد فهمت كتابك فإذا جل فخرك بقرابة النساء لتضل به الغوغاء

ولم يجعل الله النساء كالعمومة ولا الأباء كالعصيبة والأولياء ولقد بعث الله تعالى محمدًا صلىالله عليه وسلم وله عمومة أربعة فأجاب اثنان أحدهما أبي وأبي اثنان أحدهما أبوك فقطعالله ولايتهما منه وأما ما فخرت به علي فقد حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاةفأمر غيره فصلى بالناس وكان في الستة فدفعوه وقتل عثمان وهو له متهم وقاتله طلحة

والزبير ثم كان حسن فباعها من معاوية بخرق ودراهم فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموهوأخذتم ثمنه ثم خرجتم على بني أمية فقتلوكم وصلبوكم ونفوكم فطلبنا بثأركم وأورثناكمأرضهم ولقد علمت أن مكرمتنا في الجاهلية سقاية الحاج وزمزم ولقد قحط أهل المدينة فلم

يتوسل عمر إلا بأبينا‏.‏ ولما ظهر محمد شخص إليه الحسن بت معاوية فرده إلى مكة فغلب

عليها ودخل مكة فخطب بالناس ونعى إليهم أبا جعفر ودعا لمحمد بن عبد الله فدعا أبو جعفر

جعفر بن حنظلة النهراني وكان أعلم الناس بالحرب وقد شهد مع مروان حروبه فقال له‏:‏ يا

جعفر قد ظهر محمد فما عندك فقال‏:‏ وأين ظهر قال‏:‏ بالمدينة‏.‏ قال‏:‏ فاحمد الله ظهر حيث لا مال ولا سلاح ولا كراع ابعث مولى لك تثق به الآن ينزل بوادي القرى فيمنعه ميرة الشام فيموت مكانه جوعًا‏.‏ ففعل وندب أبو جعفر عيسى بن موسى لقتال محمد وقال‏:‏ لا أباليأيهما قتل صاحبه وضم إليه أربعة آلاف من الجند وبعث معه محمد بن أبي العباس أمير

المؤمنين وقدم كثير بن أبي حصين العبدي فعسكر بفيد وخندق عليه خندقًا حتى قدم عليهعيسى بن موسى فخرج به إلى المدينة وقال أبو جعفر لعيسى حين ودعه‏:‏ يا عيسى إني

أبعثك إلى مابين هذين وأشار إلى جنبه فإن ظفرت بالرجل فشم سيفك وابذل الأمان وإنتغيب فضمنهم إياه حتى يأتونك به فإنهم يعرفون مذهبه‏.‏ ففعل ذلك‏.‏ ولما وصل عيسى إلىفيد كتب إلى رجال من أهل المدينة فتفرقوا عن محمد وخرجوا إلى عيسى وقد كان مع محمد

نحو من مائة ألف فلما دنا عيسى إلى المدينة قال محمد لأصحابه‏:‏ أشيروا علي في الخروج

والمقام‏.‏ فاختلفوا فقال بعضهم‏:‏ إنك بأقل بلاد الله فرسًاو طعامًا وأضعفها رجلًا وسلاحًاوالرأي بأن تسير بمن معك حتى تأتي مصر فو الله لا يردك رادٌ فتقابل الرجل بمثل سلاحه

ورجاله‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ أعوذ بالله أن تخرج من المدينة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏"‏رأيتني في درع حصينة فأولتها المدينة ‏"‏ فحفر خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذيحفره يوم الأحزاب وخطب الناس وقال‏:‏ ‏"‏ إن هذا الرجل قرب منكم في عدد وعدة وقداحللتكم من بيعتي فمن أحب فليقم ومن أحب فلينصرف‏.‏ فتسللوا وخرج قوم منهم إلى الجبال

حتى بقي في شرذمة حتى قال بعضهم‏:‏ نحن اليوم في عد أصحاب بدرٍ ثلاثمائة وثلاثة عشررجلًا ونزل عيسى بالحرف صبيحة اثنتي عشرة من رمضان من هذه السنة يوم السبت فأقام يوم السبت ويوم الأحد وغداة الاثنين حتى استولى على سلع وشحن وجوه المدينة بالخيل

وأقبل على دابته يمشي وحوله نحو من خمسمائة وبين يديه راية فوقف على الثنية ثم نادى‏:‏ يا

أهل المدينة إن الله قد حرم دماء بعضنا على بعض فهلم إلى الأمان فمن قام تحت رايتنا فهوآمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومنخرج من المدينة فهو آمن خلوا بيننا وبين صاحبنا فإما لنا وإما له‏.‏ فشتمه أهل المدينةفانصرف يومه ذاك وعاد من الغد ففعل مثل ذلك فشتموه فلما كان في اليوم الثالث أقبل

بالخيل والرجال والسلاح ونادى بنفسه‏:‏ يا محمد إن أمير المؤمنين أمرني أن لا أقاتل حتى أعرض عليك الأمان فلك الأمان على نفسك وأهلك وولدك وأصحابك وتعطي من المال كذا وكذا ويقضى عنك دينك‏.‏ فصاح محمد إله عن هذا فو الله لقد علمت إنه لايثنيني عنكم فزع ولا

يقربني منكم طمع و لحج القتال وترجل فقتل يومئذٍ نحو من سبعين بيده وكانت الهزيمة قد

بلغت الخندق فأسل عيسى بأبواب بقدر الخندق فعبروا عليها حتى كانوا من ورائه ثم اقتتلوا

أشد القتال من بكرة حتى العصر‏.‏ وفي رواية أخرى‏:‏ أمرهم عيسى فطرحوا حقائب الإبل في

الخندق وأمر ببابي دار سعد بن مسعود التي في الثنية فطرحا في الخندق فجازت الخيلفالتقوا فانصرف محمد قبل الظهر فاغتسلوا وتحنط فقيل له‏:‏ الحق بمكة‏.‏ فقال‏:‏ لو خرجت لقتل أهل المدينة والله لا أرجع حتى أقتل أو أقتل‏.‏ فعرقب دابته وعرقب أصحابه دوابهم فلم يبق أحدٌ إلا كسر غمد سيفه فجاز رجل فضرب محمدًا بالسيف دون شحمة أذنه اليمنى فبرك لركبتيه وتعاونوا عليه‏.‏ وصاح حميد بن قحطبة‏:‏ لا تقتلوه فكفوا فجاء حميد فاجتز رأسه وكان مع محمد سيف فأعطاه قبل أن يقتل رجلًا من التجار له عليه دين أربعمائة دينار‏.‏ فقال خذ هذا السيف فإنك لا تلقى أحدًا من آل أبي طالب إلا أخذه وأعطاك حقك فكان السيف عنده حتى ولي جعفر بن سليمان المدينة فأخبر عنه فدعا الرجل وأخذ السيف منه وأعطاه أربعمائة دينار وقتل محمد رضي الله عنه بعد العصر يوم الاثنين لأربع عشرة خلت من رمضان فلما أصبحوا أرسلت أخته زينب وابنته فاطمة إلى عيسى‏:‏ إنكم قد قتلتم هذا الرجل وقضيتم منه حاجتكم فلو أذنتم لنا فواريناه‏.‏ فأذن في ذلك فدفنوه بالبقيع وأمر عيسى بصلب أصحابه وبعث عيسى بألوية فوضعها في أماكن ونادى مناديه‏:‏ من دخل تحت لواء فهو آمن أو دخل دارًا من هذه الدور فهو آمن‏.‏ وجعل عيسى يختلف إلى المسجد فأقام بالمدينة أيامًا ثم شخص صبح تاسع عشر رمضان يريد مكة وحمل رأس محمد إلى أبي جعفر وهو بالكوفة فأمر به فطيف به في طبق أبيض فلما أمسى بعث به في الآفاق وتتبع منهرب من الخارجين معه فقتل أكثرهم‏.‏ ولما خرج عيسى من المدينة استخلف عليها كثير بن حصين فمكث واليًا عليها شهرًا ثم قدم عبد الله بن الربيع الحارثي واليًا عليها من قبل أبيجعفر‏.‏ وفيها‏:‏ ثارت السودان بالمدينة وواليها عبد الله بن الربيع فهرب منهم‏.‏ وكان السبب الذي هيج ذلك أن رياح بن عثمان استعمل أبا بكر بن عبد الله بن سبرة على صدقة أسدٍ وطيء فلما خرج محمد أقبل إليه أبو بكر بما كان جبى وشمر معه فلما استخلف عيسى كثير بن حصين أخذ أبا بكر فضربه سبعين سوطًا وحبسه ثم قدم عبد الله بن الربيع واليًا يوم السبت لخمس بقين من شوال سنة خمسٍ وأربعين فنازع بعض جنده بعض تجار في بعض ما يشترون منهم فخرجت طائفة منهم يعني التجار فشكوا ذلك إلى ابن الربيع فنهرهم وشتمهم فطمع فيهم الجند فانتهبوا شيئًا من طعام السوق وعدوا على رجل من الصرافين فغالبوه على كيسه فاجتمع أهل المدينة فشكوا ذلك إلى ابن الربيع فلم ينكر ذلك وجاء رجل من الجند فاشترى من جزار لحمًا ولم يعطه ثمنه وشهر عليه السيف فطعنه الجزار بشفرة فخر عن دابته واعتوره الجزارون فقتلوه وتنادى السودان على الجند وهم يروحون إلى الجمعة فقتلوهم بالعمد في كل ناحية حتى أمسوا فلما كان الغد هرب ابن الربيع ونفخ السودان في بوق لهم فكان كل أسود يسمعه فيؤم الصوت وذلك في يوم الجمعة لسبع بقين من ذي الحجة وعدوا على ابن الربيع الناس في الجمعة فأعجلوه عن الصلاة وخرج حتى أتى السوق فمر بمساكين خمسة وهم يسألون الناس فحمل عليهم بمن معه فقتلوهم وحمل عليه السودان فهرب ابن الربيع إلى البقيع فرهقوه فنثر لهم دارهم فأشغلوا بها ومضى لوجهه حتى نزل بطن نخلة ووقع السودان في طعام لأبي جعفر من سوق ودقيق وزيت فانتهبوه‏.‏ فخرج ابن أبي سبرة من السجن في حديده فخطب الناس وصلى بهم ودعاهم إلى الطاعة وقال ابن أبي سبرة لجماعة من سادات العبيد‏:‏ والله لئن ثبتت علينا هذه الثلاثة عند أمير المؤمنين بعد الفعلة الأولى إنه لاصطلام البلد وأهله فذهبوا إلى العبيد فكلموهم‏.‏ فذهبوا إليهم فقالوا‏:‏ مرحبًا بكم يا موالينا والله ما قمنا إلا إبقاء لكم‏.‏ وأقبلوا بهم إلى المسجد فردوا ما انتهبوه فرجع ابن الربيع فقطع أيد جماعة من السودان‏.‏

وفيها أسست مدينة بغدادوكان سبب ذلك‏:‏ أن أبا جعفر بنى حين أفضي الأمر إليه الهاشمية قبالة مدينة ابن هبيرة إلى جنب الكوفة وبنى أبو جعفر أيضًا مدينة بظهر الكوفة سماها الرصافة‏.‏ فلما ثارت الروندية بأبي جعفر في مدينته التي يقال لها‏:‏ الهاشمية كره سكناها لاضطراب من اضطرب عليه من الروندية ولم يأمن على نفسه‏.‏ فخرج يرتاد موضعًا يتخذه مسكنًا لنفسه وجنده ويبني بهمدينة فانحدر إلى جرجرايا ثم صار إلى بغداد ثم مضى إلى الموصل ثم عاد إلى بغداد فقال‏:‏ هذا موضع صالح وهذه دجلة ليس بيننا وبين الصين شيء يأتينا فيها كل ما في البحر وتأتينا الميرة من الجزيرة وأرمينيةو ما حول ذلك وهذا الفرات يجيء فيها كل شيء بالشام و الرقة وضرب عسكره على الصراة وخط المدينة ووكل بكل ربع قائدًا‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني محمد بن علي الورق وأحمد بن علي المحتسب قالا‏:‏ أخبرنا أبو محمد بن جعفر بن هارون الكوفي قال‏:‏ حدثنا الحسن بن محمد السكوني قال‏:‏ حدثنا محمد بن خلف قال‏:‏ زعم عبد الله بن أبي سعيد قال‏:‏ حدثني أحمد بن حميد بن جبلة قال‏:‏ حدثني أبي عن جدي جبلة قال‏:‏ كانت مدينة أبي جعفر قبل بنائها مزرعة البغداديين يقال لها‏:‏ المباركة وكانت لستين نفسًا من البغداديين فعوضهم عنها عوضًا أرضاهم فأخذ جدي جبلة قسمة فيهم‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ ذكر علماء الأوائل أن أقاليم الأرض السبعة وأن الهند رسمته فجعلت صفة الأقاليم كأن حلقة فالإقليم الأول منها‏:‏ إقليم بلاد الهند والإقليم الثاني إقليم الحجاز والإقليم الثالث إقليم مصر والإقليم الرابع إقليم بابل وهو أوسط الأقاليم وأعمرها وفي جزيرة العرب وفيه العراق الذي هو سرة الدنيا وبغداد في أوسط هذا الإقليم‏.‏ والإقليم الخامس بلاد الروم والإقليم السادس بلاد التركوالإقليم السابع بلاد الصين‏.‏ والإقليم الرابع الذي فيه العراق وفي العراق بغداد هو صفوة الأرض ووسطها لا يلحق من فبه عيب سرف ولا تقصير فكذلك اعتدلت ألوان أهله وامتدتأجسامهم وسلموا من شقرة الرومو الصقالبة ومن سواد الحبش وسائر أجناس السودان ومن

غلظ الترك ومن جفاء أهل الجبال و خراسان ومن دمامة أهل الصين ومن جانسهم واجتمعت

في أهل هذا القسم من الأرض محاسن جميع الأقطار وكما اعتدلوا في الخلقة كذلك لطفوا فيالفطنة و التمسك بالعلم والآداب وهم أهل العراق ومن جاورهم‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمدقال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسن بي علي بن عبد الله المقرىء قال‏:‏ أخبرنا محمد بن جعفر التميمي قال‏:‏ أجبرنا أبو أحمد الجلوذي قال‏:‏ حدثنا محمد بن زنجويه عن عائشة قال‏:‏ كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى كعب الأحبار اختر لي المنازل‏.‏ قال‏:‏ فكتب‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال السخاء‏:‏ أريد اليمن‏.‏ فقال حسن الخلق‏:‏ أنا معك‏.‏ فقال الجفاء‏:‏ أريد الحجاز فقال الفقر‏:‏ وأنا معك‏.‏ فقال البأس‏:‏ أريد الشام‏.‏ فقال

السيف‏:‏ وأنا معك‏.‏ فقال العلم أريد العراق‏.‏ فقال العقل‏:‏ وأنا معك‏.‏ فقال الغنى‏:‏ أريد مصر‏.‏

فقال الذل‏:‏ وأنا معك‏.‏ فاختر لنفسك فلما ورد الكتاب على عمر قال‏:‏ فالعراق إذن فالعراقإذن‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ قرأت على أبي بكر أحمد بن محمد اليزدي عن أبي شيخ عبد الله بن محمد بن حيان قال‏:‏ حدثني أبو الحسن البغدادي قال‏:‏ قالإبراهيم بن عبد الله‏:‏ جئت إلى الجاحظ فقال‏:‏ الأمصار عشرة‏:‏ الصناعة ببصرة والفصاحة

بالكوفة والخير ببغداد والغدر بالري الحسد بهراة والجفاء بنيسابور والبخل بمرو والطرمذة

بسمرقند والمروءة ببلخ والتجارة بمصر‏.‏ وقال سليمانبن خالد‏:‏ خرج المنصور يرتاد منزلًافخرجنا على ساباط فتخلف بعض أصحابي لرمد أصابه وأقام يعالج عينيه فسأله الطبيب

أين يريد أمير المؤمنين قال‏:‏ يرتاد منزلًا قال‏:‏ فإنا نجد في كتاب عندنا أن رجلًا يدعى مقلاصًايبني مدينة بين دجلة والصراة تدعى‏:‏ الزوراء فإذا أسسها وبنى عرقأ منها أتله فتق من الحجاز

فقطع بناءها وأقبل على إصلاح ذلك الفتق فإذا كاد يلتئم أتاه فتق من البصرة هو أكبر منه فلايلبث الفتقان أن يلتئما ثم يعود إلى بنائها فيتمه ثم يعمر طويلًا ويبقى الملك في عقبه‏.‏ قال

سليمان‏:‏ فإن أمير المؤمنين لبأطراف الجبال في ارتياد منزل إذا قدم علي صاحبي فأخبرني الخبر فأخبرت به أمير المؤمنين‏.‏ فدعا الرجل فحدثه الحديث فكر راجعًا عوده على بدئه وقال‏:‏ والله أنا ذلك لقد سميت مقلاصًا وأنا صبي ثم انقطعت عني ثم شاور في ذلك فاتفق رأي القوم

على بغداد وقالوا له‏:‏ تجيئك الميرة من العرب في الفرات وطرائف مصر والشام وتجيئك الميرة في السفن من الصين والهند والبصرة وواسط في دجلة وتجيئك الميرة من أرمينية وما تصل بها في تامرا حتى تصل إلى الزاب وتجيئك الميرة من الروم وآمد والجزيرة والموصل في دجلة وأنت بين أهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطرة فإذا قطعت الجسر وأخربت القناطر لم يصل إليك عدو وأنت بين دجلة والفرات لا يجيئك أحدٌ من المشرق أو المغرب إلا احتاج إلى العبور بدجلة والفرات خنادق لمدينة أمير المؤمنين‏.‏ فوجه في حشر من الصناع والفعلة من الشاك والموصل والجبل والكوفة وواسط والبصرة فأحضروا وأمر قوم من أهل الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة وكان ممن أحضر الحجاج بن أرطأة وأبو حنيفة والنعمان بن ثابت‏.‏

وأمر بخط المدينة وحفر الأساسات وضرب اللبن وحرق الآجر وكان أول ما ابتدأ به في

عملها سنة خمس وأربعين ومائة وأحب أن ينظر إليها فأمر أن تخط بالرماد وأقبل أن يدخل

من كل باب ويمر في فضلاتها وطاقاتها ورحابها وهي مخطوطة بالرماد وأمر أن يحفر أساسذلك على ذلك الرسم‏.‏ قال ابن عياش‏:‏ فوضع أول لبنة بيده وقال‏:‏ بسم الله وبالله و ‏{‏الأرض لله

يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏}‏ ثم قال‏:‏ ابنو على بركة الله وعونه‏.‏ وقال حمادالتركي‏:‏ لما وقع اختيارهم على موضع بغداد وكان في موضع الخلد دير وفي فرات الصراة قرية وكانت القرية تسمى العتيقة وهي التي افتتحها المثنى بن حارثة وجاء المنصور فنزل في موضع الخلد غللا الصراة فوجده قليل البق فقال‏:‏ هذا موضع أرضاه تأتيه الميرة من الفرات ودجلة‏.‏فبناه وكان موضع قرى ومزارع‏.‏ ولما احتاج المنصور في بنائه إلى الأنقاض قال لخالد بن برمك‏:‏ ما ترى في نقض بناء كسرى بالمدائن وحمل نقضه إلى مدينتي هذه‏.‏ فقال‏:‏ لا أرى ذلك‏.‏ قال‏:‏ ولم قال‏:‏ لأنه علم من أعلام الإسلام يستدل به الناظر إليه على أنه لم يكن ليزال مثل أصحابه عنه بأمر دنيا وإنما هو بأمر دين‏.‏ فقال‏:‏ أبيت إلا الميل إلى أصحابك العجم‏.‏ وأمر أن ينقض القصر الأبيض فنقضت ناحية منه وحمل نقضه فنظر في مقدار ما يلزمهم للنقض والحمل فوجدوا ذلك أكثر من ثمن الجديد فرفع ذلك إلى المنصور فدعا خالدًا فأخبره وقال‏:‏ ما ترى قال‏:‏ قد كنت أرى أن لا تفعل فأما إذ فعلت فأرى أن تهدم الآن حتى تلحق بقواعده لئلا يقال إنك عجزت عن هدمه‏.‏ فأعرض المنصور عن ذلك وأمر أن لا يهدم‏.‏ أخبرنا أبو المنصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر المرزباني قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين عبد الواحد بن محمد الحصيني قال‏:‏ حدثني أبو علي أحمد بن إسماعيل قال‏:‏ لما صارت الخلافة إلى المنصور أمر بنقض إيوان المدائن فاستشار جماعة من أصحابه وكلهم أشار عليه بمثل ما هم وكان معه كاتب من الفرس فاستشاره في ذلك فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين أنت تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من تلك القرية يعني المدينة وكان له بها مثل ذلك المنزل ولأصحابه مثل تلك الحجر فخرج أصحاب ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حتى جاءوا مع ضعفهم إلى صاحب هذا الإيوان مع عزته وصعوبة أمره حتى غلبوه وأخذوه من يديه قسرًا وقهرًا ثم قتلوه فيجيء الجائي من أقاصي الأراضي فينظر إلى تلك المدينة وإلى هذا الإيوان ويعلم أن صاحبا قهر صاحب هذا الإيوان فلا يشك أنه بأمر الله عز وجل وأنه هو الذي أيده وكان معه ومع أصحابه وفي تركه فخر لكم فاستغشاه المنصور واتهمه لقربته من القوم ثم بعث في بعض الإيوان فنقض منه الشيء اليسير ثم كتب إليه أنه يغرم في نقضه أكثر مما يسترجع وأن هذا تلف للأموال وذهابها‏.‏ فدعا الكاتب فاستشاره فيما كتب به إليه فقال له‏:‏ قد كنت أشرت بشيء لم يقبل مني وأما الآن فإني آنف لكم أن يكونوا أولئك بنوا بناءً تعجزون أنتم عن هدمه

والصواب أن تبلغ به الماء ففكر المنصور فعلم أنه قد صدق ثم نظر فإذا هدمه يتلف الأموال

فأمر بالإمساك عنه‏.‏ وقيل إن أبا جعفر لما أمر بحفر الخنادق وأنشأ بناء الأساس أمر أن يجعلعرض السور من أسفله خمسين ذراعًا وقدر أعلاه عشرين ذراعًا فلما بلغ البناء قامة أتاه

خروج محمد فقطع البناء وخرج إلى الكوفة فلما فرغ من حرب محمدٍ رجع إلى بغداد‏.‏ أخبرنا

عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن أبي طالب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن عروة قال‏:‏ قال رجل من ولد الربيع‏.‏ لما أراد أبو جعفر أن يبني لتفسه كان يؤتى من كل مدينة بتراب فيعفنه فيصير عقارب وهوام حتى أتى بتربة بغداد فخرج

صرارات واتى الخلد فنظر إلى دجلة والفرات فأعجبه فرآه راهب كان هناك وهو يقدر بناءها‏.‏ فقال‏:‏ لا يتم فبلغه فأتاه‏.‏ فقال‏:‏ نعم‏!‏‏.‏ نجد في كتبنا ين الذي يبنيها ملك يقال له‏:‏ مقلاص‏.‏

قال أبو جعفر‏:‏ كانت والله أمي تلقبني في صغري مقلاصًا‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ أخبرنا ابن أبي علي المعلى قال‏:‏ أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفرقال‏:‏ أخبرنا محمد بن جرير إجازة‏:‏ أن أبا جعفر ابتدأ أساس المدينة سنة خمس و أربعين ومائةواستتم البناء سنة ست وأربعين ومائة وسماها مدينة السلام‏.‏ قال الخطيب‏:‏ وبلغني أنه لما عزمعلى بنائها أحضر المهندسين وأهل المعربة بالبناء والعلم بالذرع والمساحة وقسمة الأرض فمثل لهم صفتها التي في نفسه ثم أحضر الفعلة والصناع من النجارين والحفارين والحدادين وغيرهم وأجرى عليهم الأرزاق وكتب إلى كل بلد في حمل من فيه ممن يقهم شيئًا من أمر البناء ولم يبتدىء في البناء حتى تكامل بحضرته من أهل الصناعات ألوفٌ كثيرة ثم اختطها وجعلها مدورة‏.‏ ويقال‏:‏ لا يعرف في أقطار الأرض كلها مدينة مدورة سواها ووضع أساسها في وقت اختاره نوبخت المنجم‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو عمر الحسن بن عثمان بن الفلو قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن محمد بن أحمد بن الحكم قال‏:‏ حدثني أبو الفضل العباس بن أحمد الحداد قال‏:‏ سمعت أحمد البربري يقول‏:‏ مدينة أبي جعفر ثلاثون ومائة جريب خنادقها وسورها ثلاثون جريبًا وانفق عليها ثمانية عشر ألف ألف‏.‏ قال الخطيب‏:‏ ورأيت في بعض الكتب أن المنصور أنفق على مدينته وجامعها وقصر الذهب فيها والأبواب والأسواق إلى أن فرغ من بنائها أربعة آلاف وثلاثة وثمانين درهمًا مبلغها من الفلوس مائة ألف فلس وثلاثة وعشرون ألف فلس وذلك أن الأستاذ من الصناع كان يعمل يومه بقيراطٍ إلى خمس حبات والروزداري يعمل بحبتين إلى ثلاث حبات وهذا خلاف ما تقدم ذكره وبين القولين تفاوت كثير‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي الوراق قال‏:‏ أخبرنا محمد بن جعفر النحوي قال‏:‏ حدثنا الحسن بن محمد السكوني قال‏:‏ حدثنا محمد بن

خلف قال‏:‏ قال يحيى بن الحسن بن عبد الخلق‏:‏ خط المدينة ميل في ميل ولبها ذراع في ذراع‏.‏

قال ابن خلف‏:‏ قال أحمد بن محمد الشروي‏:‏ وهدمنا من السور الذي على باب المحول قطعة

فوجدنا فيها لبنة مكتوبٌ عليها بمغرة وزنها مائة وسبعة عشر رطلًا فوزناها فوجدناها كذلك‏.‏ قال الخطيب‏:‏ وبلغني عن محمد بن خلف أن أبا حنيفة النعمان بن ثابت كان يتولى القيام بضرب لبن المدينة وعدده حتى فرغ من استتمام بناء حائط المدينة مما يلي الخندق‏.‏ وكان أبو

حنيفة يعد اللبن بالقصب وهو أول من فعل ذلك فاستفاده الناس منه‏.‏ قال مؤلف الكتابرحمه الله‏:‏ وقد روي في حديث آخر أن المنصور أراد أبا حنيفة على القضاء فامتنع فحلف لا بد أن يتولى له فولاه القيام ببناء المدينة وضرب اللبن ليخرج من يمينه‏.‏ فتولى ذلك‏.‏ قال الخطيب‏:‏ وذكر محمد بن إسحاق البغوي أن رياحًا البناء حدثه وكان ممن كان يتولى بناء سور مدينة

المنصور قال‏:‏ كان بين كل باب من أبواب المدينة إلى الباب الآخر ميل في كل ساف من أسواف البناء مائة ألف لبنة واثنتان وستون ألف لبنة فلما بنينا الثلث من السور لقطناه فصيرنا في الساف مائة ألف لبنة وخمسين ألف لبنة فلما جاوزنا الثلثين لقطناه فصيرنا في البناء مائة ألف لبنة وأربعين ألفًا إلى أعلى‏.‏ وذكر أبو بكر بن ثابت أن ارتفاع هذا السور خمسة وثلاثون ذراعًا وعرضه من أرضه نحو من عشرين ذراعًا وجعل لها أربعة أبواب فإذا جاء أحد من الحجاز دخل من باب الكوفة وإذا جاء أحد من المغرب دخل من باب الشام فإذا جاء أحد من

الأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين دخل من باب البصرة وإذا جاء من المشرق دخل

من باب خراسان فمن باب خراسان إلى باب الكوفة ألفا ذراع ومائتا ذراع ومن باب البصرةإلى باب الشام ألفا ذراع ومائتا ذراع وعلى كل أزج من أزاج هذه الأبواب مجلس ودرجةوعليه قبة عظيمة وعليه تمثال تديره الريح‏.‏ وكان المنصور يجلس إذا أحب أن ينظر إلى من يقبل من باب خراسان في القبة التي تليه وإذا أحب أن ينظر إلى الأرباض وما والاها جلس في قبة باب الشام وإذا أحب النظر إلى الكرخ جلس في قبة باب البصرة وإذا أحب النظر إلى البساتين جلس في القبة التي على باب الكوفة وعلى كل باب من أبوا ب المدينة باب حديد نقل تلك الأبواب من واسط وهي أبواب الحجاج وأن الحجاج نقلها من مدينة بناها سليمان بن داود

عليهما السلام وكان على أبواب المدينة مما يلي الرحاب سور وحجار وعلى كل باب قائد

فكان على باب الشام سليمان بن مجالد في ألف وعلى باب البصرة أبو الأزهر التميمي في ألف

وعلى باب الكوفة خالد العكي في ألف وعلى باب خراسان مسلمة بن صهيب الغساني و

جعل بين كل ثمانية وعشرين برجًا إلا بين باب البصرة وباب الكوفة فإنه يزيد واحدًا وعمل عليها الخنادق وجعل لها سورين وفيصلين وكان لا يدخل أحد من عمومة المنصور ولا غيرهم من هذه الأبواب إلا راجلًا إلا عمه داود فإنه كان منقرسًا كان يحمل في محفة‏.‏ ومحمد المهدي

ابنه وكانت تكنس الرحاب في كل يوم يكنسها الفراشون ويحمل التراب إلى خارج المدينة‏.‏

وقال له عمه عبد الصمد‏:‏ يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير فلو أذنت لي أن أنزل داخل الأبواب

فلم يأذن له‏.‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين عدني بعض بغال الروايا التي تصل إلى الرحاب‏.‏ فقال‏:‏ يا

ربيع بغال الروايا تصل إلى رحابي فقال‏:‏ نعم‏.‏ فقال‏:‏ تتخذ الساعة قنى بالساج من باب

خراسان حتى تجيء إلى قصري‏.‏ وكانت الأبنية متصلة بالمدينة من شاطىء دجلة إلى الكبش و

الأسد وهما موضعان قريبٌ من قبر إبراهيم الحربي‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا

أحمد بن علي قال‏:‏ قال لي هلال بن المحسن‏:‏ حدثني بشر بن علي بن عبيد الكاتب قال‏:‏ كنت

أجتاز بالكبش والأسد فلا أتخلص من أسواقها من كثرة الزحمة ثم بنى القصر والجامع وكانت

مساحة قصره أربعمائة ذراع ومساحة المسجد الأول مائتين في مائتين وأساطين الخشب في

المسجد كل أسطوانة قطعتين معقبة بالعقب و الغراء وضباب الحديد إلا خمسًا أو ستًا عند

المنارة فإن كل أسطوانة قطع ملفقة وكان في صدر قصره القبة الخضراء من الأرض إلى رأس القبة الخضراء ثمانون ذراعًا وعلى رأس القبة تمثال فرس عليه فارس‏.‏ أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم التنوخي قال‏:‏ سمعت جماعة من مشايخنا يذكرون أن القبة

الخضراء كان على رأسها صنم على صورة فارس في يده رمح فكان السلطان إذا رأى ذلك

الصنم قد استقبل بعض الجهات ومد الرمح نحوها علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة

فلا يطول الوقت حتى ترد عليه الأخبار بأن خارجيًا قد نجم من تلك الجهة‏.‏ قال التنوخي‏:‏وحدثني أبو الحسن بن عبيد الزجاج الشاهد قال‏:‏ أذكر في سنة سبع وثلاثمائة وقد كسرت العامة الحبوس بمدينة المنصور فأفلت من كان فيها وكانت الأبواب الحديد التي للمدينة باقية فغلقت وتتبع أصحاب ا لشرط من أفلت من الحبو س فأخذوا جميعهم حتى لم يفتهم منهم أحدٌ‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أخمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن محمد المؤدب قال‏:‏ أخبرني إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بجرجان قال‏:‏ حدثنا أبو إسحاق الهجيمي قال‏:‏ قال‏:‏ أبو العيناء‏:‏ بلغني أن المنصور جلس يومًا فقال للربيع‏:‏ انظر من بالباب من وفود الملوك فأدخله‏.‏

فقال‏:‏ وافد من قبل ملك الروم‏.‏ فقال‏:‏ أدخله‏.‏ فدخل فبينا هو جالس عبد أمير المؤمنين إذ سمع

المنصور صرخة كادت تقلع القصر‏.‏ فقال‏:‏ يا ربيع ينظر ما هذا قال‏:‏ ثم سمع صرخة هيأشد من الأولى‏.‏ فقال‏:‏ يا ربيع ينظر ما هذا قال‏:‏ ثم سمع صرخة هي أشد من الأوليينفقال‏:‏ يا ربيع اخرج بنفسك فخرج ثم دخل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين بقرة قربت لتذبح فغلبت

الجازر وخرجت تدور في الأسواق‏.‏ فأصغى الرومي إلى الربيع يتفهم ما قال ففطن المنصور

لإصغاء الرومي يا ربيع أفهمه فأفهمه‏.‏ فقال الرومي‏:‏ يا أمير المؤمنين إنك بنيت بناءً لم يبنهأحد كان قبلك وفيه ثلاث عيوب قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ أول عيب فيه بعده عن الماء ولا بدللناس من الماء لشفاهم‏.‏ وأما العيب الثاني‏:‏ فإنها ليس فيها بساتين يتنزه فيها‏.‏ وأما الغيب

الثالث‏:‏ فإن رعيتك معك في بنيانك إذا كانت الرعية مع الملك في بنيانه فشا سره‏.‏ قال‏:‏ فتجلد

عليه المنصور فقال‏:‏ أما قولك في الماء فحسبنا من الماء ما بل شفاهنا‏.‏ وأما العيب الثاني فإنا

لم نخلق للهو واللعب وأما العيب الثالث في سري فما لي سر دون رعيتي‏.‏ ثم عرف وجهالصواب‏.‏ فقال‏:‏ مدوا لي قناتين من دجلة واغرسوا لي العباسية وانقلوا الناس إلى الكرخ‏.‏ قال

الخطيب‏:‏ مد المنصور قناة من نهر دجيل الآخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الآخذ من

الفرات وجرهما إلى مدينته في عقود وثيقة من أسفلها محكمة بالصاروخ والآجر من أعلاهافكانت كل قناة منها تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والأرباض وتجري صيفًاوشتاءً لا ينقطع ماؤها وجر لأهل الكرخ وما يتصل بها أنهارًا‏.‏ وأما الجامع فقد ذكرنا أن

المنصور جعل مساحته مائتين في مائتين ولما جاء الرشيد أمر بنقضه و إعادة بنائه بالآجروالجص ففعل ذلك وكتب عليه اسم الرشيد وتسمية البناء والنجار وذلك ظاهر الجدران إلى

الآن وكانت الصلاة في الصحن العتيق الذي هو الجامع حتى زيد في الدار المعروفة بالقطانوكانت قديمًا ديوانًا للمنصور فأمر مفلح التركي ببنائها على يد صاحب القطان فنسب إليه

ثم زاد المعتضد الصحن الأول وهو قصر المنصور ووصله بالجامع وزاد بدر مولى المعتضد من قصر المنصور السفطات المعروفة بالبدرية‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ قال لي‏:‏ هلال بن المحسن قال‏:‏ حدثني أبو الحسين محمد بن الحسن بن محفوظ قال‏:‏ كنت أمضي مع والدي إلى الجامع بالمدينة لصلاة الجمعة فربما وصلنا إلى باب خراسان في دجلة وقد قامت الصلاة وامتدت الصفوف إلى الشاطىء فنصعد ونفرش إلى السميرية ونصلي‏.‏ قال هلال‏:‏ وأذكر الصفوف ممتدة من جامع الرصافة إلى الباب الجديد من شارع الرصافة‏.‏ أما جسور بغداد فإن المنصور أمر أن تعقد ثلاثة جسور أحدها للنساء ثم عقد لنفسه وحشمه جسرين بباب البستان فكان بالزندورد جسران قد عقدهما المهدي

وكان الرشيد قد عقد عند باب الشماسية جسرين وكان للمنصور جسر عند سويقة قطوطة فلم تزل هذه الجسور إلى أن قتل الأمين فعطلت وبقي منها ثلاثة إلى أيام المأمون ثم عطل واحد‏.‏ أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ سمعت أبا علي بن شاذان يقول‏:‏ أدركت ببغداد ثلاثة جسور أحدها محاذي سوق الثلاثاء وآخر بباب الطاق والثالث في أعلى البلد عند الدار المعزية‏.‏ وذكر لي غير ابن شاذان‏:‏ أن الجسر الذي كان عند الدار المعزية نقل إلى باب الطاق فصار هناك جسران يمضي الناس على أحدهما ويرجعون على الآخر‏.‏ قال الخطيب‏:‏ لم يبق ببغداد غير جسر واحد بباب الطاق إلى دخول سنة ثمان وأربعين‏.‏

قال عبد الرحمن‏:‏ وأخبرنا أحمد قال‏:‏ حدثني هلال بن المحسن قال‏:‏ ذكر أنه أحصيت السميرات

المعبرات بدجلة أيام الموفق أبي أحمد فكملت ثلاثين ألفًا فقدر من كسب ملاحتها كل يوم

تسعين ألف درهم‏.‏ وأما الأنهار فإن نهري بغداد دجلة والفرات وكانت الأنهار التي تجري

بمدينة المنصور و الكرخ وتخترق بين المحال تأخذ من نهر عيسى بن علي وكان عند فوهتهقنطرة دمما وكان على الياسرية قنطرة وعلى الرومية قنطرة وعلى الزياتين قنطرة وبعدها

قنطرة عند باعة الأشنان ثم قنطرة الشوك ثم قنطرة عند باعة الرومان ثم قنطرة عند

الأرحاء ثم قنطرة البستان ثم قنطرة المعبدي ثم قنطرة بني زريق ثم يصب في دجلة والأنهارالتي تجري في المحال كالكرخ وغيرها من نهر عيسى وكان على الصراة قناطر يتفرع منها أنهار وفي الجانب الشرقي نهر موسى يأخذ من نهريين ينقسم ثلاثة‏:‏ نهر يمضي إلى الزاهر والثاني باب بييرز ويدخل البلد من هناك ويسمى نهر المعلى ويمر بين الدور إلى سوق الثلاثاء ثم يدخل دار الخلافة ويجري إلى دجلة والثالث يمر إلى دار الخلافة أيضًا ونهر من الخالص يقال له نهر الفضل إلى أن ينتهي إلى باب الشماسية فيأخذ منه نهر يقال له‏:‏ نهر المهدي ويدخل المدينة في شارع المهدي ثم يجيء إلى قنطرة البردان ويخرج إلى سويقة نصر بن مالك ثم يدخل الرصافة ويمر في الجامع‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الوراق قال‏:‏ اخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى النديم قال‏:‏ ذكر أحمد بن أبي طاهر أن ذرع بغداد الجانبين ثلاثة وخمسون ألف جريب وسبعمائة وخمسون جريبًا منها الجانب الشرقي ستة وعشرون ألف جريب وسبعمائة وخمسون جريبًا‏.‏والغربي سبعة وعشرون ألف جريب‏.‏ وأن عدد الحمامات كانت في ذلك الوقت ببغداد ستين

ألف حمام‏.‏ قال‏:‏ أقل ما يكون في كل حمام خمسة نفر‏:‏ حمامي وقيم وزبال ووقاد وسقاء

يكون ذلك ثلاثمائة ألف رجل‏.‏ وذكر أنه يكون بإزاء كل حمام خمسة مساجد يكون ذلك ثلاثمائة

ألف مسجد وتقدير ذلك أن أقل ما يكون في كل مسجد خمسة أنفس يكون ذلك ألف ألف

وخمسمائة ألف إنسان يحتاج كل إنسان في ليلة العيد إلى رطل صابون فيكون ذلك ألف ألف

وخمسمائة ألف رطل صابون ويكون ذلك حساب الجرة مائة وثلاثين رطلًا‏:‏ ألف جرة ومائةجرة وخمسين جرة وثمانية جرار ونصفًا يكون ذلك زيتًا حساب الجرة ستين رطلًا ستمائةألف رطل وتسعة آلاف رطل وخمسمائة وعشرة أرطال‏.‏ وقد روي أن الحمامات كانت في عهد

معز الدولة بضعة عشر ألف حمام وفي زمن عضد الدولة خمسة آلاف وكسر‏.‏ وقد اتفق الناس

أن بغداد لا نظير لها وأحسن ما كانت في أيام الرشيد فحدثت بها الفتن وتتابعت المحن

وانتقل قطانها‏.‏ أخبرنا أبو المنصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني أبو

القاسم التنوخي قال‏:‏ اخبرني أبي قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن محمد بن صالح الهاشمي في سنة ستين

وثلاثمائة قال‏:‏ أخبرني رجل يبيع سويق الحمص منفردًا به أنه حصر ما يعمل في سوقه من هذا السويق كل سنة فكان مائة وأربعين كرًا يكون حمصًا مائتين وثمانين كرًا يخرج كل سنة حتى لا يبقى منه شيء ويستأنف عمل ذلك للسنة الأخرى‏.‏ قال هلال بن المحسن‏:‏ عبرت إلى الجاني الشرقي من مدينة السلام بعد الأحداث الطارئة فرأيت ما بين سوق السلاح و الرصافة وسوق العطش ومربعة الحرسي والزاهر وما في دواخل ذلك ورواضعه قد خرب خرابًا فاحشًا ولم يترك النقض فيه جدارًا قائمًا ولا مسجدًا باقيًا وأما ما بين باب البصرة والعتابين والخلد وشارع الرقيق من الجانب الغربي فقد اندرس اندراسًا كليًا وصار الجامعان بالمدينة والرصافة متوسطين الصحراء بع أن كانا في وسط العمارة‏.‏ وعرفني بعض العارفين بأمر الحمامات في جانبي البلد عدد ما بقي منها في هذا الوقت وهي سنة عشرين وأربعمائة نحو مائة وسبعين حمامًا‏.‏وأنني لأذكر وقد حضر عند جدي إبراهيم بن هلال في سنة اثنين وثمانين وثلاثمائة أحدٌ ممن كان يغشاه وجرى ذكر مدينة السلام في كبرها فقال الرجل‏:‏ لعل هذه الحال كانت قديمًا فأما الآن فحدثني فلان وله معرفة بالحمامات أن جميع ما بقي منها نحو ثلاثة آلاف فقال جدي‏:‏ لا إله إلا الله كذا يكون الانقراض‏!‏ فإنها أحصيت في زمان المقتدر وقد فشا الخراب فكانتتسعًا وعشرين ألف حمام‏.‏ ولقد ورد كتاب ركن الدولة على أبي محمد المهلبي يقول فيه‏:‏ بلغناكثرة المساجد والحمامات ببغداد فيذكر لنا الموجود اليوم فكانت المساجد تتجاوز حدالإحصاء وأما الحمامات سبعة عشر ألفًا‏.‏ وقال ابن هلال‏:‏ كنت أركب من داري في باب

المراتب إلى دار معز الدولة بالشماسية في الأسواق وتحت الظلال والمحال والدروب‏.‏ وكذلك

الجاني الغربي والدور على دجلة وبساتينها متناهية وأقطارها متباعدة وما فيها دار يخلو منالأغاني والدعوات وجميع ما بقي من الحمامات في بغداد نيف وتسعون حمامًا‏.‏ أخبرنا عبد

الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عباس الخزاز قال‏:‏ حدثنا أبو بكر الصولي قال‏:‏ حدثنا أبو خليفة قال‏:‏ حدثنا محمد بن سلام قال‏:‏ سمعت أبا الوليد يقول‏:‏ قال لي شعبة‏:‏ أدخلت بغداد قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فكأنك لم تر الدنيا‏.‏

أخبرنا عبد الرجمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن علي الوارق قال‏:‏

سمعت محمد بن أحمد بن يعقوب الجرجاني يقول‏:‏ سمعت أحمد بن يوسف بن موسى يقول‏:‏

سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول‏:‏ قال لي محمد بن إدريس‏:‏ دخلت بغداد قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ يا

يونس ما رأيت الدنيا ولا رأيت الناس‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ حدثنا أحمد قال‏:‏

حدثنا الجوهري قال‏:‏ حدثنا علي بن عبد الله الهمداني يقول‏:‏ حدثنا علي بن محمد القاضيقال‏:‏ حدثني أبو الحسين المالكي قال‏:‏ حدثني عبد الله بن محمد التميمي قال‏:‏ سمعت ذا النون

يقول‏:‏ من أراد أن يتعلم المروءة والظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد‏.‏ قيل‏:‏ كيف قال‏:‏ لما حملتإلى بغداد رمي بي على باب السلطان مقيدًا فمر بي رجل مؤتزر بمنديل مصري معتم بمنديلديبقي بيده كيزان وخزف رقاق وزجاج مخروط فسألت‏:‏ هذا ساقي السلطان فقيل لي‏:‏

هذا ساقي العامة‏.‏ فأومأت إليه‏:‏ اسقني‏.‏ فسقاني فشممت من الكوز رائحة مسك فقلت

لمن معي‏:‏ ادفع إليه دينارًا‏.‏ فأعطاه الدينار‏.‏ فأبى‏.‏ وقال‏:‏ ليس آخذ شيئًا‏.‏ فقلت له‏:‏ ولم

فقال‏:‏ أنت أسير وليس من المروءة أن آخذ منك شيئًا‏.‏ فقلت‏:‏ كمل الظرف في هذا‏.‏ أخبرنا

هبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال‏:‏ أخبرني أبو القاسم القاضي قال‏:‏

حدثني علي بن المحسن التنوخي قال‏:‏ قال‏:‏ قال لي أبو القاسم بزياشي بن الحسن الديلمي وهو

شيخ يتعلق بعلوم فصيح العربية قال‏:‏ سافرت الآفاق ودخلت البادان من حد سمرقند إلى

القيروان ومن سرنديب إلى بلد الروم فما وجدت بلدًا أفضل ولا أطيب من بغداد‏.‏ قال‏:‏ وكانسبكتكتين حاجب معز الدولة من جملة أنسائي‏.‏ فقال لي يومًا‏:‏ قد سافرت الأسفار الطويلة

فأي بلد وجدت أفضل وأطيب فقلت له‏:‏ أيها الحاجب إذا خرجت من العراق فالدنيا كلها

رستاق‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا بن علي قال‏:‏ حدثني أبو القاسم عبد الله بن

علي الرقي قال‏:‏ أخذ أبو العلاء المعري يومًا يدي فغمزها وهو ببغداد ثم قال لي‏:‏ يا أباالقاسم هذا بلد عظيم لا يأتي زمان عليك وأنت به إلا رأيت فيه من أهل الفضل من لم يره

فيمن تقدم‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أنشدني التنوخي قال‏:‏ أنشدناأبو سعيد بن محمد بن علي بن خلف الهمذاني لنفسه يقول‏:‏

فقد طفت في شرق البلاد وغربها وسيرت رحلي بينها وركابيا

فلم أر فيها مثل بغداد منزلًا ** ولم أر فيها مثل دجلة واديا

ولا مثل أهليها أرق شمائللًا ** وأعذب ألفاظًا وأحلى معانيا

وكم قائل لو كان ودك صادقًا** لبغداد لم ترحل فكان جوابيايقيم الرجال الأغنياء بأرضهم ** وترمي النوى بالمقترين المراميا

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثني علي بن محمد بن عبد قال‏:‏ كتب

إلي أخي من البصرة وأنا ببغداد يقول‏:‏

طيب الهواء ببغداد يصرفني ** قدمًا إليها وإن عاقت معاذير

فكيف صبري عنها الآن إذ جمعت ** طيب الهواءين ممدود ومقصور

قال المصنف‏:‏ وقد كان أبو الوفاء بن عقيل يصف ما شاهد من بغداد وهذا عند خربها

وذهاب أهلها فيذكر العجائب وقد ذكرت ذلك في ‏"‏ مناقب بغداد ‏"‏‏.‏ وفيها‏:‏ ظهر إبراهيم بن

عبد الله بن حسن بن علي بالبصرة فحارب المنصور‏.‏ وفيها‏:‏ قتل أيضًا وكان من قضيته أنه لما

أخذ المنصور عبد الله بن حسن أشفق محمد وإبراهيم فخرجا إلى عدن فخافا بها فركبا

البحر حتى سارا إلى السند فسعى بهما فقدما الكوفة وكانت أم ولد إبراهيم تقول‏:‏ ما أقرتنا

الأرض منذ خمس سنين مرة بفارس ومرة بكرمان ومرة بالجبل ومرة بالحجاز‏.‏ ووضعالمنصور إلى إبراهيم الرصد وكانت له مرآة قد سبق ذكرها ينظر فيها فيرى عدوه من

صديقه فنظر فيها فقال للمسيب‏:‏ يا مسيب قد رأيت والله إبراهيم في عسكري فانظر ما

أنت صانع‏.‏ وأمر المنصور ببناء قنطرة الصراة العتيقة ثم خرج ينظر إليها فوقعت عينه على

إبراهيم وجلس إبراهيم فذهب في الناس فأتى مأمنًا فلجأ إليه فأصعده غرفة له وجدالمنصور في طلبه فقال سفيان العمي لإبراهيم‏:‏ قد ترى ما نزل بنا ولا بد من المخاطرة‏.‏ قال‏:‏فأنت وذاك‏.‏ فأقبل إلى الربيع فسأله الإذن‏.‏ قال‏:‏ ومن أنت قال‏:‏ سفيان العمي‏.‏ فأدخله إلى

أبي حعفر فلما رآه شتمه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أنا أهل لما تقول غير أني أتيك تائبًا ولك

عندي كل ما تحب إن أعطيتني ما أسألك‏.‏ قال‏:‏ وما لي عندك قال‏:‏ تأتيني بإبراهيم‏.‏ قال‏:‏فما لي عندك إن فعلت قال‏:‏ كل ما تسأل فأين إبراهيم قال‏:‏ قد دخل بغداد وهو داخلهاعن قريب فاكتب لي جوازًا ولغلام لي ولفرانق واحملني على البريد ووجه معي جندًا آتيك

به‏.‏ قال‏:‏ فكتب إليه جوازًا ودفع إليه جندًا وقال‏:‏ هذه ألف دينار فاستعن بها‏.‏ قال‏:‏ لا

حاجة لي إليها كلها‏.‏ فأخذ معه ثلاثمائة دينار وأقبل حتى أتى إبراهيم وهو في بيت عليهمدرعة صوف وقيل بل فياء كأقبية العبيد فصاح به ‏"‏ قم‏.‏ فوثب كالفزع فجعل يأمره وينهله حتى قدم المدائن فمنعه صاحب القنطرة بها فدفع إليه جوازه‏.‏ قال‏:‏ فأين غلامك قال‏:‏

هذا‏.‏ فلما نظر في وجهه قال‏:‏ والله ما هذا بغلامك وإنه لإبراهيم فاذهب راشدًا فأطلقهما

فركبا البريد ثم ركبا سفينة إلى البصرة فاختفيا فيها‏.‏ وقيل‏:‏ أنه قد البصرة فجعل يأتي بالجند

الدار ولها بابان فيقعد العشرة منهم على أحد البابين ويقول‏:‏ لا تبرحوا حتى آتيكم‏.‏ ثم يدخل

الدار فيخرج من الجانب الآخر ويتركهم حتى فرق الجند وبقي وحده واختفى فبلغ الخبر سفيانبن معاوية فأرسل إليهم وطلب العمي فأعجزه ونزل إبراهيم على أبي فروة وأرسل إلى الناس يندبهم إلى الخروج فلما بلغ الخبر أبا جعفر شاور فقيل له‏:‏ إن الكوفة له شيعة والكوفة قد رافقوا وأنت طبقتها‏.‏ فاخرج حتى ينزلها‏.‏ ففعل‏.‏ وخرج إبراهيم ليلة الاثنين لغرة شهررمضان من سنة خمس وأربعين فصار إلى مقبرة بني يشكر في بضعة عشر فارسًا فكان أولشيء أصاب دواب لجماعة من الجند وأسلحة وصلى بالناس الغداة بالمسجد الجامع وتحصنسفيان بن معاوية في الدار ثم طلب الأمان فأجيب له ففتح الباب ودخل إبراهيم الدار فألقي

له حصير فهبت ريح فقلبت الحصير ظهرًا لبطن فتطير الناس لذلك فقال إبراهيم‏:‏ لا

تتطيروا‏.‏ ثم جلس عليه مقلوبًا والكراهة ترى في وجهه وحبس سفيان بن معاوية في القصر

وقيده قيدًا خفيفًا‏.‏ ووجد ببيت المال ستمائة ألف فغدا بذلك وفرض لكل رجل خمسينووجه رجلًا إلى الأهواز فبايعوا له وخرج عاملها فخاصم أصحاب إبراهيم فهزموه‏.‏ وبلغ جعفرًا ومحمدًا ابني سليمان بن علي وكانا بالبصرة مصير إبراهيم إلى دار الإمارة وحبسه سفيان فأقبلا في ستمائة فوجه إليهما إبراهيم المضاء بن جعفر في ثمانية عشر فارسًا وثلاثين راجلًا فهزمهم المضاء وصارت البصرة والأهواز وفارس في سلطان إبراهيم ولم يزل إبراهيم مقيمًا بالبصرة بعد ظهوره بها يفرق العمال في النواحي ويوجه الجيوش إلى البلدان حتى أتاه نعي أخيه محمد فأخبر الناس بذلك فازدادوا بصيرة في قتال أبي جعفر وأصبح إبراهيم من الغد فعسكر‏.‏ وأبلغ الخبر إلى أبي جعفر فقال‏:‏ والله ما أدري ما أصنع ما في عسكري سوى ألفي رجل فرقت جندي مع المهدي بالري ثلاثون ألفًا ومع محمد بن الأشعث بإفريقية أربعون ألفًا والباقون مع عيسى بن موسى‏.‏ والله لئن سلمت من هذا لا يفارق عسكري ثلاثون ألفًا‏.‏ ثم كتب إلى عيسى‏:‏ إذا قرأت كتابي هذا فأقبل ودع ما أنت فيه‏.‏ فلم يلبث أن قدم فبعثه على الناس وكتب إلى سالم بن قتيبة فقدم عليه من الري فضمه إلى جعفر بن سليمان وكتب إلى المهدي يأمره بتوجيه خازم بن خزيمة إلى الأهواز فوجهه في أربعة آلاف من الجند وبقي المنصور في أيام حرب محمد وإبراهيم على مصلى ينام عليه و يجلس عليه وعليه جبة ملونة قد اتسخ جيبها ولم يلتفت إلى النساء فقيل له في ذلك فقال‏:‏ ليست هذه الأيام من أيام النساء حتى أعلم رأس إبراهيم لي أم رأسي لإبراهيم وكان قد أعد دواب وإبلًا فإن كانت الكرة عليه خرج للري‏.‏ وكان قد أحصى ديوان إبراهيم من أهل البصرة مائة ألف فالتقى عيسى وإبراهيم فاقتتلوا قتالًا شديدًا إلى أن جاء سهمٌ غائر لا يدرون من رمى به فوقع في حلق إبراهيم فنحوه عن موضعه وقال‏:‏ أنزلوني‏.‏ فأنزلوه وهو يقول‏:‏ ‏{‏وكان أمر الله قدرًا مقدورًا‏}‏ أردنا أمرًا وأراد الله غيره فأنزل وهو مثخن واجتمع عليه أصحابه يقاتلون دونه فشدوا عليهم فخلصوا إليه فجزوا رأسه فأتوا به عيسى فسجد وبعث به إلى أبي جعفر فقال‏:‏ والله لو كنت لهذا كارهًا ولكني ابتليت بك وابتليت بي‏.‏ فنصبه في السوق وكان قتله يوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين وكان يوم قتل ابن ثمان وأربعين سنة‏.‏ ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام‏.‏ وفيها‏:‏ خرجت الترك فقتلوا من المسلمين جماعة كثيرة بأرمينية‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس السري بن عبد الله بن الحارث وكان عامل أبي جعفر على مكة وكان والي

المدينة عبد الله بن الربيع الحارثي‏.‏ ووالي الكوفة وأرضها عيسى بن موسى ووالي البصرة سالم بن قتيبة الباهلي وكان على قضائها عباد بن منصور وعلى مصر يزيد بن حاتم‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

ابن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهكان يألف الوحدة هو وأخوه وخرجا إلى البادية ثم خرج أخوه محمد على المنصور على ماسبق ذكره فقتل‏.‏ وخرج هو فقتل على ما سبق‏.‏إسماعيل بن أبي خالد أبو عبد الله واسم أبي خالد‏:‏ سعد‏.‏ راى أنسًا وسمع ابن أبي أوفى وعمرو بن حوشب وكان سفيان معجبًا‏.‏ وتوفي في هذه السنة‏.‏ أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن مخلد قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد الحكيمي قال‏:‏ حدثنا عبد السلام بن محمد بن شاكر قال‏:‏ حدثنا محمد بن عثمان العاصمي قال‏:‏ حدثنا محمد بن يزيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن طريف قال‏:‏ توفي أخي عمير بن طريف فأصغيت إلى قبره فسمعت صوت أخي صوتًا ضعيفًا أعرفه وهو يقول‏:‏ ربي الله‏.‏ فقال له الآخر‏:‏ فما دينك قال‏:‏ الإسلام‏.‏الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

سمع أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب‏.‏ قدم الأنبار على السفاح مع أخيه عبد اللهبن الحسن في جماعة من الطاليبين فأكرمهم السفاح وأجازهم ورجعوا إلى المدينة‏.‏ فلما ولي

المنصور حبس الحسن بن الحسن وأخاه عبد الله لأجل محمد وإبراهيم ابني عبد الله فلم يزل في

حبسه حتى مات‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ حدثنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏

أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن محمد العكبري قال‏:‏ حدثنا جدي قال‏:‏ حدثناغسان الليثي عن أبيه قال‏:‏ كان أبو العباس قد خص عبد الله بن الحسن بن الحسن حتى كان

يتفضل بين يديه بقميص بلا سراويل فقال له يومًا‏:‏ ما رأى أمير المؤمنين على هذه الحال غيرك ولا أعدك إلا ولدًا‏.‏ ثم سأله عن ابنيه فقال له‏:‏ ما خلفهما عني فلم يفدا علي مع من وفد علي من أهلهما ثم أعاد عليه المسألة عنهما مرة أخرى‏.‏ فشكى ذلك عبد الله بن الحسن إلى أخيه الحسن بن الحسن فقال له‏:‏ إن أعاد المسألة عليك عنهما فقل له‏:‏ علمهما عند عمهما‏.‏ فقال له عبد الله‏:‏ وهل أنت محتمل ذلك لي قال‏:‏ نعم‏.‏ فلما أعاد أبو العباس على عبد الله المسألةعنهما قال‏:‏ يا أمير المؤمنين علمهما عند عمهما‏.‏ فبعث أبو العباس إلى الحسن فسأله عنهما‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أكلمك على هيبة الخلافة أو كما يكلم الرحل ابن عمه‏.‏ فقال له أبو

العباس‏:‏ بل كما يكلم الرجل ابن عمه‏.‏ فقال له الحسن‏:‏ أنشدك الله يا أمير المؤمنين إن كان الله قدر لمحمد وإبراهيم أن يليا من الأمر شيئًا فجهدت وجهد أهل الأرض معك أن ترد ما قدر

الله لهما أيردونه‏!‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فأنشدك الله إن كان الله لم يقدر لهما أن يليا من هذا الأمرشيئًا فاجتمعا واحتمع أهل الأرض معهما على أن ينالا ما لم يقدر لهما أينالانه‏!‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فما تنغيصك على هذا الشيخ النعمة التي أنعمت بها عليه‏.‏ فقال أبو العباس‏:‏ لا أذكرهما

بعد اليوم فما ذكرهما حتى فرق الموت بينهما‏.‏ قال العلوي‏:‏ قال جدي‏:‏ توفي الحسن بن الحسنبن علي سنة خمس وأربعين ومائة في ذي القعدة بالهاشمية في حبس أبي حعفر وهو ابن ثمان

وستين سنة‏.‏

الحسن بن ثوبان بن عامر أبو ثوبان الهمداني الهوزني روى عن موسى بن وردان وغيره‏.‏ حدث عنه حيوة بن شريح الليث بن سعد وغيرهما‏.‏

وكان أميرًا على بعض الثغور في خلافة مروان بن محمد‏.‏ قال المفضل بن فضالة‏:‏ دخل عليناالحسن بن ثوبان يومًا ونحن في المسجد الجامع فوقف فسلم ثم ذهب فجال في المسجد ثم رجع

إلينا فقلنا له‏:‏ يا أبا ثوبان وقفت علينا ثم ذهبت ثم عدت فقال‏:‏ إني طلبت من هو أربح لي

منكم فلم أجده‏.‏ توفي الحسن في رمضان هذه السنة‏.‏

حبيب بن الشهيد أبو محمد البصري مولى لمزينة‏.‏ سمع الحسن وابن سيرين وعكرمة‏.‏ توفي بواسط في أيام التشريق يوم جاءت هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن وصلى عليه سوار‏.‏

ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أبو محمد من أهل المدينة كانت له منزلة من عمر بن عبد العزيز في خلافته وفد مع جماعة من الطالبين إلى السفاح وهو بالأنبار فوهب له ألف ألف درهم‏.‏ ثم عاد إلى المدينة فلما ولي المنصور حبسه بالمدينة لأجل ابنيه محمد وإبراهيم فبقي مدة طويلة ثم نقله إلى الكوفة فحبسه بها إلى أن مات في الحبس يوم الأضحى من هذه السنة وهو ابن ست وأربعين سنة‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا ابن أبي بكر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى العلوي قال‏:‏ حدثنا جدي قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن بن علي الباهلي قال‏:‏ سمعت مصعب بن عبد الله يقول‏:‏ جعل أبو العباس أمير المؤمنين يطوف في بنيانه بالأنبار ومعه عبد الله بن الحسن فجعل يريه البناء ويطوف به فيه فقال عبد الله بن الحسن يا أمير المؤمنين وأنشده‏:‏

ألم تر حوشبًا أمسى يبني ** بيوتًا نفعها لبني بقيلة

يؤمل أن يعمر عمر نوح ** وأمر الله يحدث لك ليلة

فقال أبو العباس‏:‏ ما أردت بهذا‏.‏ قال‏:‏ أردت أن أزهدك في هذا‏.‏ وقد روي من طريق أخرى

أنه لما أنشد البيتين انتبه فقال‏:‏ أقلني‏.‏ فقال‏:‏ لا أقالني الله إن بت في عسكري فأخرجه إلى

المدينة‏.‏ وبقيلة أم ولد للحسين بن علي جاءت منه بالقاسم وأبي بكر وعبد الله وقتلوا معالحسين رضي الله عنه‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال‏:‏ أخبرما أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا

علي بن المحسن التنوخي قال‏:‏ وجدت في كتاب جدي علي بن محمد بن أبي الفهم قال‏:‏ حدثني

أحمد بن أبي العلاء المعروف بحرقى قال‏:‏ حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن محمد بن أبان قال‏:‏حدثني أبو معقل وهو ابن إبراهيم بن داجة قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخذ أبو جعفر أمير المؤمنين

عبد الله بن حسن بن حسن فقيده وحبسه في داره فلما أراد أبو جعفر الخروج إلى الحج

جلست له ابنة لعبد الله بن حسن يقال لها‏:‏ فاطمة فلما مر بها أنشأت تقول‏:‏

إرحم كبيرًا سنه متهدمًا ** في السجن بين سلاسلٍ وقيود

وارحم صغار بني يزيد إنهم ** يتموا لفقدك لا لفقدك يزيد

إن جدت بالرحم القريبة بيننا ** ما جدنا من جدكم ببعيدفقال أبو جعفر‏:‏ أذكرتنيه ثم أمر به فحدر إلى المطبق فكان آخر العهد به‏.‏

عبد الملك بن أبي سليمان أبو سليمان

وقيل‏:‏ أبو عبد الله واسم أبي سليمان ميسرة وهو عم محمد بن عبد الله العزرمي‏.‏ نزل جبانةعزرم بالكوفة فنسب إليها‏.‏ حدث عن أنس بن مالك وعطاء وسعيد بن جبير‏.‏ روى عنه

الثوري وشعبة وابن مبارك‏.‏ وكان من الحفاظ كان شعبة يعجب من حفظه وكان سفيانيسميه الميزان‏.‏ قال أحمد بن حنبل ويحيى‏:‏ هو ثقة‏.‏ توفي ببغداد في هذه السنة دفن بسوق يحيى‏.‏عمرو بن ميمون بن مهران أبو عبد الله الجزري نزل الرقة وسمع أباه وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز‏.‏ روى عنه الثوري وشريك وابن المبارك‏.‏ وكان ثقة صالحا ‏"‏ عالما ‏"‏ دينا ‏"‏‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا احمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الأزهري قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن جامع قال‏:‏ قال علي بن محمد بن سعيد الحراني قال‏:‏ حدثنا عبد الملك الميموني قال‏:‏ حدثت أبا عبد الله أحمد بن حنبل قال‏:‏ لما رأيت قدر عمي عند أبي حعفر قلت‏:‏ يا عم لو سألت أمير المؤمنين أن يقطعك قطيعة‏.‏ فسكت عني فلما ألححت عليه قال‏:‏ يا بني إنك لتسألني أن أسأله شيئًا قد ابتدأني به هو غير مرة فقد قال لي يومًا‏:‏ يا أبا عبد الله إني أريد أن أقطعك قطيعة وأجعلها لك طيبة وإن أحبابي وولدي وأهلي يسألوني ذلك فأبى عليهم فما يمنعك أن تقبلها قال‏:‏ قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين إني رأيت لهم الرجل على قدر انتشار صيته وإني يكفيني من همي ما أحاطت به داري فإن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني فعل قال‏:‏ قد فعلت‏.‏ فقال أحمد بن حنبل‏:‏ أعده علي‏.‏

فأعدته عليه حتى حفظه‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ حدثنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الأزهر يقال‏:‏ حدثنا ابن جامع قال‏:‏ حدثنا أبو علي الحراني قال‏:‏ حدثنا الميموني قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ كان عمي عمرو يعطش فما يستسقي من أحدٍ ماء حتى يشربه من بيته ويقول كل معروف

صدقه وما أحب أن يتصدق علي‏.‏ توفي عمرو بن ميمون في هذه السنة‏.‏ وقيل‏:‏ في سنة

أربعين‏.‏ وفي مكان موته قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ الرقة‏.‏ والثاني‏:‏ الكوفة‏.‏

محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله لقي نافعًا وسمع منه ومن غيره ولم يزل هو وأخوه إبراهيم يلزمان البادية ويحبان الخلوة ولا يأتيان الخلفاء والولاة فلما ولي المنصور طلبهما فنفرا منه وهربا في الجبال وأشخص أباهما وأهل بيتهما فحبسوا حتى ماتوا في حبسه فبلغ ذلك محمد بن عبد الله فخرج على المنصور واجتمع إليه خلقٌ كثير فبيض ودعي له بالخلافة فأقبل إلى المدينة فأخذها وغلب عليها ثم وجه إلى مكة فأخذت له فبيضوا فشمر أبو جعفر في طلبه وحربه فقتل هو وأخوه على ما سبق‏.‏ وكان مكث محمد من حين ظهر إلى أن قتل شهرين وسبعة عشر يومًا‏.‏

محمد بن عبد الله بن عمروبن عثمان بن عفان أبو عبد الله القرشيوكان يعرف بالديباج لحسن وجهه أمه فاطمة بنت الحسين وكانت قبل أبيه عند الحسن بن الحسن فولدت له عبد الله وحسنًا ثم مات عنها فخلف عليها عبد الله بن عمرو فولدت له محمدًا وهو الديباج‏.‏ وكان جوادًا ظاهر المروءة‏.‏ حدث عن أبيه وعن نافع وعن أبي الزناد‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بم علي الحافظ قال‏:‏ أخبرنا يحيى بن عبد العزيز قال‏:‏

أخبرنا علي بن عبد الله بن عباس الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال‏:‏ حدثنيالزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن أبي السائب قال‏:‏ احتجت إلى

لقحة فكتبت إلى محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أسأله أن يبعث لي بلقحةٍ فإني لعلى

بابي فإذا أنا بزجر إبلٍ وإذا فيها عبدٌ يزجرها فقلت‏:‏ يا هذا ليس ها هنا الطريق‏.‏ قال‏:‏ أردت أبا السائب‏.‏ فقلت‏:‏ أنا أبو السائب‏.‏ فدفع إلي بكتاب محمد بن عبد الله فإذا فيه‏:‏ أتاني كتابك تطلب فيه لقحة وقد جمعت ما كان بحضرتنا منها وهي تسع عشرة لقحة وبعثت معها بعبد راعٍ وهن بدنٌ وهو حرٌ إن رجع فما بعثت به بشيء في مالي أبدًا‏.‏ قال‏:‏ فبعتمنهم بثلاثمائة دينار سوى ما احتسبت لحاجتي‏.‏ أخذ أبو جعفر المنصور محمد بن عبد الله في هذه السنة وقتله ليلة جاءه خروج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة وبعث برأسه إلى خراسان وذلك لأن محمد أخو عبد الله بن حسن بن حسن لأمه‏.‏ كذلك ذكر الخطيب‏.‏ وذكر محمد بن سعد أنه حبسه فمات في حبسه وكان لهذا الرجل بنت تسمى‏:‏ حفصة لا نعرف امرأة ولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير سواها‏.‏ لأن أمها خديجة بنت عثمان بن عروة بن الزبير وأم عروة‏:‏ أسماء بنت أبي بكر وأم أبيها‏:‏ فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب وأم الحسين‏:‏ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم فاطمة بنت الحسين‏:‏ أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله وأم عبد الله بن عمرو‏:‏ زينب بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب‏.‏

يزيد بن أبي سعيد أبو الحسين النحوي نسب إلى بطن يقال لهم‏:‏ بني نحوة النحو بن شمس بضم الشين المعجمة بطن من الأزد وليس منسوبًا إلى النحو‏.‏ قال أبو أحمد العسكري‏:‏ وكذلك شيبان بن عبد الله النحوي‏.‏ وقال أبو الحسين ابن المنادي‏:‏ وهو يزيد لا شيبان‏.‏ وروى يزيد عن علقمة ومجاهد‏.‏ ويروي عن الحسين بن واقد وأبي حمزة‏.‏